يقول الشارح رحمه الله تعالى:
[ولقد أحسن محمود الوراق في قوله: لو قد رأيت الصغير من عمل الخير ثواباً عجبت من كبرهأو قد رأيت الحقير من عمل الشر جزاءً أشفقت من حذره]فالشارح رحمه الله تعالى يثني على هذه الأبيات لـ
محمود الوراق ، وهو شاعر من شعراء العصر العباسي، توفى في أيام الخليفة
المعتصم، وقد ذكره
ابن خلكان في موضعين: عندما تكلم عن
بشار بن برد ، لأنه كان من معاصري
بشار وله مع
بشار قصة ذكرها، ثم ذكره عندما تكلم عن
أبي العيناء .يقول
الوراق:
لو قد رأيت الصغير من عمل الخير عجبت من كبرهفقد يقول الرجل كلمة لا يلقي لها بالاً يرفعه الله بها درجات، وقد يتصدق بدرهم فيضعه الله عنده شيئاً عظيماً، ومن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: (
اتقوا النار ولو بشق تمرة )، فقد تكون الوقاية بينك وبين النار بشق تمرة، وهذا من فضل الله، فكن راجياً من ربك فضله وثوابه واعمل الخير، وهذا جانب الرجاء. قال:
أو قد رأيت الحقير من عمل الشر جزءً أشفقت من حذره(فلو رأيت الحقير من عمل الشر) ككلمة استهزاء، أو نظرة خائنة جرحت في القلب جرحاً كبيراً وهدت من الأعمال والطاعات شيئاً كثيراً، وأوقد الله لها سعيراً لو رأيت ذلك تعجبت من كبره حال الجزاء، وكل ذلك بسبب هذه النظرة أو ذلك الذنب الصغير فـ
لا تحقرن شيئاً من الطاعات رجاء أن يكون ثوابه عظيماً، ولا تحقرن شيئاً من الذنوب خشية أن يكون جزاؤها كبيراً، ولذا أثنى الشيخ على البيتين وعلى قائلهما. فهذا هو حال عباد الله المؤمنين المتقين، وليس هو حال أولئك الذين يزعمون أنهم يحبون الله فغلبتهم محبتهم حتى أصبحوا من الزنادقة، ولا حال الذين يدعون أنهم يخافون من الله فغلبهم خوفهم حتى صاروا
حرورية ، ولا حال الذين يغلبون الرجاء ويقولون: إن الله غفور وينسون أن عذابه هو العذاب الأليم، فيغلبون جانب الرجاء فيكونون
مرجئة . و
العبد المؤمن هو الذي يعمل الطاعات ولا يحقر من المعروف شيئاً، ويرجو بذلك ثواب الله وما عنده، ويجتنب المعاصي ولا يحقر منها شيئاً، ويرجو بذلك النجاة من عذاب الله، ومع الخوف والرجاء يحب الله، فإن المحبة -كما قلنا- هي أساس كل الأعمال، وهي التي جعل الله لها الدرجة والميزة العظمى إذا كانت كما أمر الله كما قال الله تعالى: ((
قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ))[آل عمران:31]. والله أعلم، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.